الاغتِرَابُ المَكَانِيِّ فِي السِّيَرة الشَّعْبِيَّة
الملخص
الحمد لله ربِّ العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطاهرين والسلام على صحبه الصالحين ومن اتبع هداهم إلى يوم الدين.
يرتكز مفهوم الاغتراب حسب النظرة الهيجيلة على ديالكتيك انفصالي على ما حقه الاتصال بين متلازمين وجوديين هما: (الذات والموضوع), فهو الواقع الوجودي الأنطولوجي المتجذر في وجود الانسان في هذا العالم, فثمة انفصال موروث بين الفرد, بوصفه ذاتاً وبين الفرد بوصفه موضوعاً, أي بين الفرد بوصفه ذاتاً مبدعةً خلاقة تريد أن تكون وأن تحقق نفسها وبين الفرد موضوعاً واقعاً تحت تأثير الأغيار واستغلالها, ومن ثم فإن إبداعات الفرد الخلاق (الفن - اللغة - العلم وسواها) تقف خارج ذاته بوصفها أشياء غريبة, تشيئات مادية, لما هو جوهري ولقبي, يعني العقل ووعي العقل بذاته . فالاغتراب ما هو إلَّا تجلي لعدم التوافق بين الذات الفلسفية وبين الموضوع والعالم الموضوعي الذي يمثل الروح المغتربة, وهذا ما يجعل أيَّ تمظهرٍ لاغتراب الذات الإنسانية عن الموضوع الخارجي عنها من شأنه أن يوقع الذات المغتربة بردود أفعال مختلفة على حسب الذات المغتربة واستعداداتها الفكرية والنفسية والاجتماعية والزمانية والمكانية في التعامل ومحاولة التوافق مع الموضوع .
يتعالق الاغتراب بالظرف (الزَّمَاني والمكاني)، فنجد أنَّ الشخصيات في السرد الحكائي لا سيما في السير الشعبية؛ لا يُشترَط ارتباطها وجودياً بظرف الحكي، فقد تنفك الشخصية أحياناً عن زمان الحكي فعندها تغترب زمانياً، أو تنفك عن مكان الحكي فتصبح مغتربة مكانياً, وما يهمنا في هذا المجال ما تعلق باغتراب الذات المتجلية بشخصيات الحكي عن موضوعها وهو بيئة ومكان نشأتها وترعرعها فيه, إذ تغترب الشخصيات الحكائية عند انقطاع تواصلها مع بيئتها الأصلية، وتأقلمها طوعاً كان أم كرهاً، مع بيئتها الجديدة بمرور الزَّمَن، ويشكل هذا التأقلم عائقاً في سبيل عودة الشخصيات كما كانت في السابق لاختلاف البيئتين أولا ولاعتياد الشخصيات على ظروفها الحالية وارتياحه لها ثانياً.